تشير البيانات إلى أن اليمن بات يشهد ثالث أكبر أزمة غذاء في العالم،[1] حيث يواجه نصف السكان الجوع، ونصف الأطفال دون سن الخامسة مصابون بسوء تغذية مزمن.[2] بمناسبة اليوم العالمي للغذاء، تدعو منظمات دولية و محلية عاملة في اليمن إلى تحرك عاجل لمواجهة أزمة الجوع المتفاقمة في البلاد.
يشهد اليمن أزمة إنسانية غير مسبوقة، مع ازدياد أعداد من يعانون من نقص الغذاء، حيث تواجه أسرة من كل ثلاث أسر مستويات متوسطة إلى حادة من الجوع. ففي مديرية عبس بمحافظة حجة، توفي أطفال من أسر نازحة جراء الجوع مع ارتفاع معدلات سوء التغذية.[3] كما يُتوقّع أن تصل مستويات سوء التغذية إلى مرحلة حرجة للغاية في محافظتي الحديدة وتعز، مع احتمال ارتفاع نسب سوء التغذية الحاد بين 15 و30 في المئة بحلول عام 2026، مما يهدد بتقويض التقدم الذي تم تحقيقه خلال العقد الماضي في هذا الجانب.[4]
إن الوضع يتدهور بوتيرة متسارعة. فبحلول مطلع العام المقبل، يُتوقع أن يواجه أكثر من 18 مليون شخص مستويات متأزمة من الجوع، بينهم نحو 41 ألفاً معرضون لخطر المجاعة.[5] تُجبر الأسر على اتخاذ خيارات قاسية في مختلف أنحاء البلاد– إذ يتخلى الآباء عن وجباتهم ليأكل أطفالهم، أو يبيعون أراضيهم ومواشيهم ومقتنياتهم البسيطة للبقاء على قيد الحياة. وكما قالت إحدى الأمهات من محافظة الضالع: “هناك أيام أرسل فيها ابنتي إلى بيت جدها لتتناول الطعام، بينما أبقى أنا دون طعام. وفي أيام أخرى، نكتفي بالخبز والشاي. إن ذلك مؤلم بالنسبة لي كأم“
تمتد آثار الأزمة الحالية لتطال أكثر من جيل واحد. فالأطفال هم الأكثر تضرراً – إذ يفقدون صحتهم نتيجة الجوع الذي يعيق نموهم الجسدي والعقلي ويزيد من مخاطر إصابتهم بأمراض مزمنة، كما تتبدد أحلامهم بمستقبل أفضل. ومع معاناة الأسر لتأمين قوت يومها، يضطر كثير منها إلى إخراج أطفالهم من المدارس أو إرسالهم للعمل أو تزويجهم في سن مبكرة، مما يعرّضهم لمزيد من المخاطر.
الأسباب الأساسية وراء الأزمة
يدفع الصراع والإنهيار الاقتصادي وندرة المياه والصدمات المناخية باليمن مجدداً نحو شبح المجاعة. فقد أضعفت سنوات النزاع والنزوح سبل العيش وقلّصت فرص الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية الأساسية. واليوم، تتعثر جهود التعافي مع الارتفاع المستمر في أسعار الغذاء وتدهور قيمة العملة والانقسام الاقتصادي، مما يزيد من تفاقم معاناة الملايين وإستفحال أزمتهم. وتشكل الفيضانات الأخيرة التي ضربت البلاد في أغسطس مثالاً صارخاً على أثر تغيّر المناخ في تقليص الإنتاج الغذائي، بعد أن دمّرت الأراضي الزراعية والمواشي ومصادر الرزق الأساسية.
وفي شمال اليمن، أدّت القيود المفروضة على العمل الإنساني إلى تفاقم الأوضاع وتعليق توزيع المساعدات الغذائية، بما في ذلك قيود الحركة المفروضة على النساء اليمنيات العاملات في المجال الانساني، اللواتي يُمنعن من السفر دون مرافقة مرافقين ذكور، مما يحدّ من قدرة السكان على الحصول على المساعدات.
وقد فاقمت الاقتطاعات غير المسبوقة في التمويل الإنساني لعام 2025 مستويات الجوع وسوء التغذية إلى مستويات تهدد حياة الناس.[6] فقد أدت هذه التخفيضات إلى إغلاق أكثر من 2,800 مرفق علاجي منقذ للحياة – أي ما يقارب نصف خدمات التغذية الحيوية في البلاد.[7] كما تواجه سلاسل الإمداد التي تخدم ملايين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات الذين يعانون من سوء التغذية، ضغوطاً شديدة. وعلى الرغم من إزدياد الاحتياجات، فإن تمويل استجابات كل من الأمن الغذائي والتغذية في اليمن وصل إلى أدنى مستوياتها منذ عقد، مع تلبية أقل من 10 في المئة من الاحتياجات التمويلية.[8]
توسيع نطاق الحلول الفعّالة
على مدى العقد الماضي، أسهمت المنظمات الدولية والمحلية في اليمن في الحيلولة دون وقوع مجاعة وإنقاذ أرواح لا حصر لها. وبفضل دعم المانحين، تمّت إعادة تأهيل أنظمة الري، وتقديم المساعدات النقدية، وتوفير التدريب المهني لدعم الأسر في استعادة سبل عيشها. وأسهمت هذه الجهود في الحفاظ على تغذية الأطفال، وتمكين الأسر من كسب الدخل، وإنعاش الزراعة المحلية الصغيرة. ومع ذلك، فإن الوضع قابل للتدهور من دون استثمارات طويلة الأمد ومستدامة. إذ تواجه أكثر من 100 مديرية حالة تغذية طارئة وحرجة، فيما تبقى الأسر عالقة في دائرة مفرغة من الجوع والمرض. ومن دون تمويل عاجل وإمدادات كافية، يزداد خطر انزلاق المزيد من المديريات نحو مستويات كارثية من سوء التغذية.[9]
يتعيّن على المانحين تكثيف جهودهم
مع إحياء العالم اليوم العالمي للغذاء، يتوجب على المجتمع الدولي زيادة دعمه للحلول المثبتة التي تمكّن العاملين الإنسانيين من مواجهة أزمة الجوع المتفاقمة في اليمن، وحماية الأطفال والأسر، والحد من المعاناة المتزايدة. كما يتعين العمل على معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي في اليمن، من خلال إنهاء النزاع عبر تحقيق تقدم حقيقي في عملية السلام، وتعزيز جهود التعافي الاقتصادي، ودعم الزراعة وسبل العيش القادرة على التكيّف مع التغير المناخي. ففقط من خلال تضافر الجهود – التي تجمع بين الدعم الإنساني العاجل والحلول السياسية والاقتصادية طويلة الأمد – يمكن لليمنيين إعادة بناء حياتهم.
الدعوة إلى التحرك
- ندعو المانحين والشركاء الدوليين إلى تمويل الاحتياجات العاجلة في مجالي الأمن الغذائي وسبل العيش، كما حددتها خطة الأولويات القصوى لمجموعة الأمن الغذائي والزراعة، مع التركيز على المديريات الأشد تضرراً واستعادة سلاسل الإمداد الحيوية.[10] وسيُسهم هذا الدعم في استمرار خدمات التغذية المنقذة للحياة، بما في ذلك تشغيل مراكز التغذية العلاجية وضمان توفر الإمدادات الأساسية.
- ندعو المانحين والشركاء الدوليين إلى المناصرة المشتركة من أجل ضمان الوصول الإنساني الآمن والمستقل في المحافظات الشمالية، وتسهيل إيصال المساعدات الغذائية والتغذوية والنقدية المستهدفة والمكملة.
- ندعو المانحين والشركاء الدوليين إلى ضمان دمج تدابير حماية الفئات الأكثر ضعفاً، ولا سيما النساء والأطفال، ضمن جميع البرامج الإنسانية في اليمن، للتصدي للمخاطر المتزايدة الناتجة عن تفاقم أزمة الجوع، بما في ذلك عمالة الأطفال، والزواج المبكر، والتسرب من التعليم.
- ندعو المانحين التنمويين إلى الاستثمار في استراتيجيات فعّالة لإدارة مخاطر الكوارث. فتعزيز البنية التحتية القادرة على الصمود في وجهه التغيرات الكوارث الطبيعية، وتنمية مبادرات الاستعداد المجتمعي، بما في ذلك التحويلات الاجتماعية، أمر أساسي للحد من آثار تغيّر المناخ وحماية الفئات الأكثر ضعفاً.
- ندعو أطراف النزاع إلى تسهيل الوصول الإنساني المبدئي وغير المقيّد لضمان إيصال المساعدات المنقذة للحياة في الوقت المناسب، وتمكين المجتمعات من التعافي من الجوع وسوء التغذية الحاد. كما نحث على الإفراج الفوري عن جميع العاملين الإنسانيين المحتجزين تعسفياً، وضمان سلامتهم واستمرار العمليات الإنسانية.
- ندعو أطراف النزاع، بدعم من المجتمع الدولي، إلى اتخاذ خطوات جادة نحو السلام، بما في ذلك تنفيذ إجراءات اقتصادية عاجلة مثل استئناف دفع رواتب موظفي القطاع العام، واستعادة العمليات المصرفية، ووقف تدهور العملة – وذلك للحد من مسببات الجوع وتمكين الأسر من تلبية احتياجاتها الأساسية.
انتهى
الموقعون على البيان:
Action Contre la Faim (ACF)
Action for Humanity
Aden Foundation for Arts and Sciences (ADEN-FAS)
Al-Ahlam Foundation for Developmental Medicine
All Girls Foundation For Development (AGF)
Al-Nabras Foundation for Human Development
Altwasul for Human Development
CARE
Child and Youth Protection Foundation (CYPF)
Center For Civilians In Conflict (CIVIC)
Danish Refugee Council (DRC)
Deem for Development Organization
Direct Aid (DA)
Dorcas
FARHM Network for Peace and Development (network of 10 Yemeni organizations)
Field Medical Foundation (FMF)
For Human Development Foundation (FHD)
Generations Without Qat (GWQ)
Geneva Call
Human Access for Partnership and Development
International Medical Corps
International Rescue Committee (IRC)
INTERSOS
Joud Al Ata a Foundation Humanity Development (JAFHD)
Médecins du Monde (MdM)
Medglobal
Mona Relief and Development Organization (Mona Relief)
Norwegian People’s Aid (NPA)
OXFAM
Relief & Development Peer Foundation (RDP)
Relief International (RI)
Save the Children
Secours Islamique France (SIF)
Society for Humanitarian Solidarity (SHS)
SOUL for Development (SOUL)
War Child Alliance
ملاحظات للمحررين
- تُظهر البيانات المستقاة من التقييمات التي أُجريت في محافظات تعز والضالع وأبين والحديدة في أغسطس 2025 أن نصف الأسر التي لديها أطفال دون سن الخامسة كان لديها طفل واحد على الأقل يعاني من سوء تغذية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، في حين أن ربع الأسر كان لديها امرأة حامل أو مرضعة تعاني من سوء تغذية خلال الفترة نفسها.
- إن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية أكثر عرضة للوفاة بعشرة أضعاف بسبب أمراض شائعة مقارنةً بالأطفال الأصحاء. وهم عرضة لتأخر نمو غير قابل للعلاج، ومشكلات صحية مدى الحياة، وفرص أقل في المستقبل. ومن دون علاج، يدخل جسم الطفل في مرحلة الجوع الكامل، حيث يبدأ بتفكيك البروتين الضروري للبقاء على قيد الحياة إلى أن يفقد حياته ببطء وألم. إن مستقبل جيل اليمن في خطر، ويجب إيصال المساعدات إليه دون تأخير.
[1] السيد توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ – إحاطة لمجلس الأمن حول الوضع الإنساني في اليمن، 15 أيلول/سبتمبر 2025 | مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)
[2] يواجه نحو 18.1 مليون شخص الجوع، ويواجه 2.5 مليون طفل سوء التغذية. مصدر: مجموعة التغذية، أكتوبر 2025.
[3] سوء التغذية الحاد (AMN) وفقًا لتصنيف IPC، المرحلة 5.
[4] توقعات مجموعة التغذية، أكتوبر 2025.
[5] مستويات انعدام الأمن الغذائي مبنية على تصنيف مراحل الأمن الغذائي المتكامل (IPC)، حيث تشير المرحلة 3 إلى مستويات أزمة في الأمن الغذائي، والمرحلة 5 تشير إلى ظروف كارثية أو مجاعة. ويتوقع IPC حدوث ظروف المرحلة 5 (كارثية) في أربع مديريات ضمن محافظات عمران، الحديدة، وحجة.
[6] توقعات IPC من سبتمبر 2025 حتى فبراير 2026 تشير إلى تسجيل أعلى عدد على الإطلاق من المناطق المصنفة في المرحلة 4 (طوارئ).
[7] تم إغلاق 377 موقع برنامج العلاج العلاجي الخارجي (OTP)، و2,376 موقع برنامج التغذية التكميلية المستهدفة (TSFP)، و77 فريقًا متنقلًا، و21 مركزًا للعلاج التغذوي (TFCs) بسبب نقص التمويل. مصدر: مجموعة التغذية، أكتوبر 2025.
[8] خطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة في اليمن 2025. https://fts.unocha.org/plans/1262/global-clusters
[9] المرحلة الخامسة من سوء التغذية الحاد وفق تصنيف IPC
[10] خطة الاستجابة ذات الأولوية القصوى للأمن الغذائي والزراعة في اليمن، يوليو–ديسمبر 2025. https://fscluster.org/yemen/document/yemen-fsac-hyper-prioritized-response.